عليكِ السلام يا غ-زة
عليكِ السلام يا غزة
* تغريد الناصر
منذ بدء العمليات الاجرامية بحق أهلنا في غزة وأنا أحاول جاهدة أن أعيش حالة اللاوعي لأكتب ... ففي الوعي أسطر كلاماً موزوناً بعبارات منمقة... وفي جوفي بركان ثائر ... متمرد على العروبة والعرب ..احتاج غيبوبة وعي لتنفجر شظايا الكلمات وأستل سيف قلمي ليصهل بوجه كل متخاذل خوَّان.... في حالة اللاوعي استعيد كرامة العربي ... استعيد عروبة ماتت وابناءها حول مشهد الاحتضار يتباكون .. أكتب .... وماذا أكتب؟!!! وغزة لفظ مؤنث لكنها تعج بالرجولة ...خاصرتها تنفجر شظايا قنابل في وجه العدو...فتشوه معالمه الغادرة المفعمة بالقذارة.... غزة مرآة العروبة التي تعكس جمالية العز والفخر ... والكبرياء رغم أنف العدو.
تروح المَشاهدَ في مخيلتي وتجيء ....ذاك الشيخ العجوز الذي يقف على أطلال بيته المتهدم باكيًا ...وهذا الفتى الذي يلحق بنعش أبيه منهارًا ...تلك المرأة التي تحتضن وليدها بنظرة وداع أخيرة ....جثثٌ جُلها من الأطفال ملقاة هنا وهناك ....مدافن جماعية .... صرخات ترتد اصداءها في وجه الكرامة العربية ....طفلٌ أصداء صوته تتصارع بكل حواسي ( ما بدي اموووت ) وآخر يرتجف هلعاً ...رعباً (يعني رح اعيش ) ....طفلة تهرول في انحاء المشفى ملطخة بدمائها ...( وين ماما ....بدي ماما ) وشيخٌ يطيل المكوث على اطلال بيته المتهدم باكياً ( هون ماتوا الأحباب ...هون ضاعت الذكريات ....هون إحنا باقيين والله ما بنروح ) ... أمٌ مكلومة (شوفو إبني هون ؟ ابيضاني وشعره كيرلي ) صور شتى من المآسي نبكيها لا بل تَبكينا.... كثيرةٌ وعميقةٌ هي المشاهد الاجرامية....فهي ليست حربًا سياسية أو جغرافية فقط ... بل هي حربٌ دينية ونفسية ...حربٌ اقتصادية ......حربٌ يقودها عدو غاشم لا يفهم لغة الحوار والمنطق .... عدو لا يعرف الرحمة تجرد من كل معاني الإنسانية...وسفيههم افيخاي آدرعي يجوب شبكات التواصل الاجتماعي ليكشف كل يوم حجم الحقد والغل الذي يحتوي هذا الكيان الغاصب مع تحفظي على لفظة كيانٍ فأمثال هؤلاء لا كيان لهم ... ما هم إلا رُعاع محتل يريد أن يزوَّر التاريخ ويفرض وجوده وسيطرته بأي طريقة كانت ..... تخونني الكلمات وتخذلني المَشاهد تماماً كخيانتنا وخذلاننا لغزة .... وصمة الخذلان تلحق بنا كُلنا .... لا شَربة ماءٍ ولا كِسرة خبز ولا مُسكَّن ألم ....آواه ما اصعب ان تتجرع مر الظلم !! آواه ما أصعب ان تتقيأ كرامتك !!....آواه ما أبشع أن تنظر لنفسك لتراها خائنة في مرآة غزة !!
فأي وصمة عارٍ ستلحق بنا .... وأي نظرة احتقار ستحتوبنا من طفلٍ بعمر رجل ...ومن إمرأة صاحت وآامعتصماه ظنًا منها أن هناك نخوة المعتصم أو حتى مروءة الجاهلية ..... من دمعة رجل مُسنّ يقف على أعتاب بيته أو ما كان يومًا بيته .... وقد تحطمت كل ذكرياته !!! .
أمام هذه اللوحات الملطخة بدماء الشهداء تقف العروبة شاهدًا على الحدث وشاهدًا على الذل والهوان للعرب .... مسيرات تطوف البلاد العربية والإسلامية من شرقها لغربها تصدح بالكلام ...وماذا اضافت الهتافات...هل ضمدت جراح الأطفال...أم رَبتتْ على صدر الهلع فيهم ... هل روت ظمأهم واسكتت قرقرات بطونهم ...؟!!!
ماذا فعلت الهتافات التي تجوب الشوارع ؟! الهتافات في زمن القنابل ثرثرة ....الغِلُ الذي يحتوي كلَّ عربي مسلم شريف لا يشفيه مسيرات ولا مظاهرات ولا هتافات .... هذا الغل يحتاج إلى ثورة على الظلم والقهر .....هذا الغل يحتاج أن نثور على أنفسنا....إن نكون جميعاً كبرتقال غزة في كل برتقالة قنبلة ....ثورة تُعيد للطفل اطمئنانه ...وتعيد للأم بسمتها....ثورة تضمد جراح المكلومين ....نحتاج إلى ثورة تعيدنا للأقصى محررين .... هذا الخنوع يقتل في دواخلنا معاني الإنسانيه...يقتل فينا عقيدة " وأعدو لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل "
ماذا سنقول لله ونحن عَجزنا أن نُعد لهم شَربة ماء وكِسرة خبز ....وضمادة جرح ؟! .....عجزنا أن نقول للعدو بصوت جبار لاااااا .
أين صورة الجسد الواحد التي حثنا على تجسيدها رسولنا وقدوتنا محمد عليه السلام حين قال :
( مثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمى )
أين وأين .... ؟ وأسئلة عديدة يرتد صداها في أرجاء غزة ....عليكِ السلام يا غزة حتى يطمئن فؤادكِ ... عليكِ السلام .
تعليقات
إرسال تعليق