يحبون الإصلاح ويرغبون بالإصلاح ولكن يختلفون بالتوقيت

لماذا نكره الإصلاح؟!
* الدكتور عكرمة عمايرة
أكاد أُجزم أنَّ غالبية أفراد المجتمع (على إختلاف إيمانهم، مستواهم الفكري، الإجتماعي، الثقافي، الوظيفي، المادي، المعيشي، إلخ) كُلُّهم يحبون الإصلاح ويرغبون بالإصلاح، ولكن يختلفون بالتوقيت، كيف؟!

البعض يعتقد أن توقيت الإصلاح غيرُ بالغ الأهمية، وليس بالضرورة أن يتم الآن، بل يمكن تأجيله لبعد حين، للمستقبل!
البعض يريد الإصلاح ولكن ليس الآن؛ بالنسبة له الأولوية لنفسه ولأبناءه وأسرته المصغرة، كيف؟!
في الجلسات المغلقة والضيقة، تسمع الجواب الشافي.
سيقول البعض أنه مع الإصلاح ولكن حتى يتخرج من الجامعة أو المعهد، عندها سيطالب مع المُصلحين بإصلاح المجتمع. بعدها نفسه سيؤجل أمر المطالبة بالإصلاح لحين الحصول على وظيفية حكومية أو غيرها لتأمين باب رزق. نفسه، سيتزوج بعد حين، ثم سيقرر أن الإصلاح ليس أهم من تأمين مصاريف أطفاله وأسرته. تأخذه السنين، ثم تبدأ رحلة الجامعة. سيقرر عندها أن الوقت ليس مناسباً للإصلاح، لماذا؟ لأن أبناءه في على مقاعد الدراسة الجامعية، ويخشى عليهم من ضياع مستقبلهم. بعد تخرجهم، سؤجل مرة أخرى أمر الإصلاح، لأنه يريد تأمين حياة أبناءه ومستقبلهم بوظيفة حكومية أو غيرها (لاحظ دخل وأدخل إبنه في الحلقة ذاتها التي كان قد دخلها قبل ٢٠ عاما!)، ثم يورث أبناءه ذلك الفكر المشبوه والمُشبع بالخنوع وتستمر مسيرة الفساد المُزخرف ليرتع فيها الفاسدين وأبنائهم المُدلُّلين على حسابه وحساب حقوق أبناءه.

على الجانب الآخر، هنالك فئة أكثر أنانية حيث قد يشارك بالبداية مع الفئة الأولى، ولكن سيبحث عن ترقية وظيفية وزيادة سنوية وسفرة عمل.
سيخبرك بأن الوقت غير مناسب، لأنه ينتظر ترقية في عمله ولا يريد خسارتها. سيحصل عليها غالباً (وقد لا يحصل بالمناسبة!)، سيحصل عليها وعلى بعض الإمتيازات المادية لكن بعد فوات الوقت للأسف. غالباً، ليس هنالك وقت باقٍ كافٍ ليتمتع بذلك المال، فصحته في تدهور (والنظام الصحي الذي لم ينصره قد تدهور)، لا مكان جميل مناسب ليقضي فيه عطلة إستجمام بعد التقاعد، لا طعام صحي يستطيع تناوله بآمان. سيظطر لشراء سيارة ويدفع الكثير عليها بين وقود وصيانه بسبب إرتفاع سعر الوقود وسوء الطرقات وعدم وجود شبكة مواصلات عامة مناسبة ليستخدمها، إلخ.

قبل ذلك وفي لحظةٍ ما وهو يتلقى رسالة عاجلة أو مكالمة مباغتة، تُخبره بتقاعده المفاجىء، وما زال يمتلك الكثير من الأحلام والإمتيازات الوظيفية، سيتذكر!

أو بعد تقاعده، وفي حين إنتظاره أمام عيادة مكتظة في مستشفى عام ودوره قد يتجاوز ١٠٠، ويحتاج لعدة ساعات ليرى طبيب (قد يكن مبتدىء غير ماهر، لانه لم يتلقى تدريباً كما ينبغي بسبب عدم جهوزيّة المستشفيات لذلك، ولأن الطبيب الماهر قد هاجر البلاد لبلد آخر يؤمن فيه عيشه)، سيتذكر!

أو في لحظة جلوسه على بلكونة بيته البسيط (الذي لا يزال يدفع أقساطه العالية لبنك ربوي يمتلكه ثُلَّة فاسدين مصاصي دماء) ويشرب فنجان قهوة رديئة وبجانيها كأس ماء حنفية قد لا تكن صالحة للشرب البشري، ويمضي وقتاً طويلاً ينتظر إتصالاً من أبناءه الذين هجروا الديار إلى بلاد "الواق واق" سعياً لحياة قد تكن أفضل بنظرهم، سيتذكر!


في تلك اللحظات، سيتذكر أن الوقت قد مضى للمطالبة بالإصلاح الذي قد كان ممكناً منذ وقت بعيد، سيتذكر كيف أنَّه قد أضاع الفرصة المناسبة للإصلاح، إصلاح نفسه وأبناءه وأسرته، ونصيحة جيرانه وزملائه وأبناء مجتمعه بالتي هي أحسن، بالكلمة الطيبة والنصيحة المُخلص؛ بأن الإصلاح واجب شرعي مجتمعي وطني، الإصلاح لا يعني التخريب ولا التكسير ولا رفع السلاح ولا القتل ولا التشريد. الإصلاح يعني العمل المخلص الخالص لوجه الله تعالى، الحث على العمل النجاح، محاربة الفساد، الإبتعاد عن ما حرم الله، عدم النفاق، الصدق، رفض الرشوة، الإلتزام بالقانون الصحيح، والمطالبة بتعديل القوانين الظالمة المُجحفة، رفض الظلم، المطالبة بحقوقك وحقوق الآخرين، بنفس الوقت أداء واجباتك بإخلاصٍ وأمانةٍ.
للأسف سيتذكر وقد يُوقن بأنه كان فريسة للظلمة والفاسدين، ورَّبى ودَجَّن (من الدجاج) أبناءه ليكونوا كمان كان سابقاً، فريسة ووسيلة لأبناء الفاسدين المُخربين الحقيقيين للبلاد والعباد!
لكن، ضاعت الفرصة.

كتبت تلك الكلمات اليوم وهي في خاطري منذ وقت طويل، ببساطة لأني تلقيت نصيحة غير مباشرة من أحدهم وقد بلغ من العمر عتياً وقد قارب على أطرف المئة من العمر، ينصحني بأن أتوقف عن الكتابة، أتوقف عن النصيحة، أتوقف عن توعية الناس على وجوب المطالبة بحقوقهم (وأداء وأجباتهم)!
وقبل ذلك عايشت قصص عدَّةِ أُناسٍ مرُّوا بتلك التجربة التي ذكرت سابقاً (الصمت من أجل وظيفة، ترقية، منصب، زيادة مالية، خوفٍ على مستقبل أولادهم)؛ منهم من جنى بعض ما حلم به، ومن من لم يجني، ومنهم من حصل على شيء وقد يكن خسر الأهم وهو لا يدري!

بإختصار، أمرُ الله وشرعه وحُكمه هي سبيل النجاة الوحيد في الدنيا والآخرة. فيها السعادة والسلامة في الدارين.

"وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ"

"كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ"



تعليقات

المشاركات الشائعة