شارع الرشيد ... آخر شارع في غرب العالم
شارع الرشيد ... آخر شارع في غرب العالم
كتب #هاني_سمير_يارد
كبقية الأطفال، كان عالمي وأنا طفل يتوسع رويدا رويدا مع كل يوم تتوسع فيه مداركي: البيت، الساحة أمام البيت، الشارع، الشارع الذي يلي شارع البيت، شارع دار النصراوي شرقا، وشارع الهامي غربا، ثم شارع إيدون شرقا، فشارع الرشيد غربا٫ وهكذا، فالحي، فالمدينة . . .
ذات صباح أثناء العطلة الصيفية (ربما عام 1968)، أرسل جدي اثنين من أبناء عمتي، أكبر مني سنا، ليشتريا حمص وفول وفلافل من مطعم أبو الوليد في شارع الرشيد، فرافقتهما وكانت تلك أول مرة أرى فيها شارع الرشيد.
ذلك الجزء من شارع الرشيد في ذلك الصباح كان فارغا، نظيفا، يكاد يخلو من السيارات والمارة٫ فالمدرسة التي تقع مقابل مطعم أبو الوليد، إعدادية حمزة بن عبد المطلب للبنين (المؤسسة عام 1958) مغلقة بسبب العطلة الصيفية، ناهيك عن أن المطعم يقع في أقصى الطرف الجنوبي من الشارع، حيث لا شوارع ولا بيوت جنوبه (إلا لماما). ففي نهاية الشارع من الجهة الجنوبية كان هناك ثلاثة مخازن مبنية من حجر أحمر ملاصقة لبيت أرضي من نفس الحجر، الأمر الذي يعني على الأغلب أن مالك العقار واحد. كانت هذه المخازن تمثل لذلك الطفل نهاية حدود إربد من الجهة الجنوبية الغربية، وهي كذلك بالفعل، حتى نهاية الستينيات.
كيف عرفت عن وجود عدد محدود جدا من البيوت جنوب شارع الرشيد؟
كان باص المدرسة (مدرسة راهبات الوردية) يذهب صباحا إلى الجهة الجنوبية من شارع الرشيد لأخذ طفلين أحدهما كان في صفي. لكن لم يكن يسلك سائق الباص طريق الرشيد. كان ذلك البيت منعزلا مبنيا من الحجر وكان لوالد الطفلين سيارة مرسيدس ١٨٠. (اسم الطفل كان محمد راتب).
ما يميز شارع الرشيد أن عرضه ربما ضعفي عرض شارع الوليد وشارع الهامي. لكن عرض الشارع كان وبالا أحيانا على طلاب المدرسة بسبب تجاوز بعض سائقي السيارات السرعة المتعارف عليها عُرفا آنذاك، (إذ لم تكن السرعة محددة في ذلك الزمن ).
بعد حوالي خمس سنوات على وطء رجلي شارع الرشيد، تم نقلي إلى إعدادية حمزة، فبقيت أطرق الشارع ثلاث سنوات.
ذات يوم، وكنا في الصف الثاني الإعدادي، وأثناء الفسحة، مرت سيارة مسرعة سرعة جنونية ضربت صديقنا العزيز تيسير أبو جراس، ذلك الشاب البشوش أبدا، وسحبته معها حوالي ٢٠ مترا وهو يصرخ!
الحمد لله تيسير بقي حيا يرزق، لكنه عاد إلى المدرسة بعاهة دائمة في رجله.
بعد أن ترفعنا إلى المرحلة الثانوية وانتقلنا إلى مدرسة الأمير الحسن في القصيلة، ظل شارع الرشيد سبيلنا للوصول إلى هذه المدرسة لمدة ثلاث سنوات أخرى.
كنا نعرج وبعض الزملاء على أبو الوليد في المطعم. علمت فيما بعد من جدي أن أبو الوليد كان أحد أبناء الجيران لقسم الشرطة في يافا الذي كان يداوم فيه رحمة جدي.
في الصف الثاني ثانوي، انتقل إلى مدرستنا أعداد كبيرة من طلاب "الوسطية" التي كانت تفتقر إلى فرع علمي في مدارسها.
أحد الأصدقاء من الوسطية أحب شارع الرشيد، ويبدو أنه أغرم بفتاة من سكان الشارع، ولا أدري أيهما كان أسبق: حب الفتاة، أم كَلَفُه بالشارع. ثم يشاء الحظ إن يكون نصيبه بعد سنوات من التخرج من سكان ذلك الشارع في الركن الجنوبي الغربي من إربد.
بعد تكوين أسرة، لا بد أنها كانت سعيدة، وبعد أن رزقهما الله بأولاد، صاروا الآن رجالا، توفيت زوجة صديقي بمرض عضال، لكنه بقي مخلصا لذكرى زوجته، وما فتئ يذكر الشارع وساكنيه، وكأن شارع الرشيد عنده آخر شارع في العالم! أما حنينه فأبدا لـ "أم فارس".
قبل عامين اتفقتُ وأبو فارس أن نيمم شطر شارع الرشيد يوما لنمشي هناك كأننا طلاب، لعلّ خيال "الرشيدية" يزور، فيأنس هاجر ويسعد مهجور.
ما زلتُ على وعدي أبا فارس!
تعليقات
إرسال تعليق