رحلة في ساعة من الفقير
رحلة في ساعة من الفقير
* عامر الرشدان
وددتُ اليوم على غير العادة أنْ أذهب في رحلةٍ ذاتية إلى عالم الفقير، وددتُ أن أشعر بالذي يشعر به الفقير في هذا اليوم بالتحديد" يوم العيد"، وعلى الرغم من وضعي" المادي" الغني ولله الحمد، إلا أنّني قررتُ أن أرتدي ملابسًا قديمة نوعًا ما.
ارتديتُ الملابس، وذهبتُ للصلاة، وفي أثناء ذهابي لها قابلتُ أخي الذي يصغرني ببضع سنين ، حيث قال لي : "يا أخي، ما بالكَ لا ترتدي ثيابًا جديدة؟!، اليوم هو يوم العيد، فما أصابك اليوم حتى ترتدي هذه الملابس القديمة؟!" حاولتُ مرارًا معه أن أتخطّى قوله دون الإجابة عنه، وبالفعل نجحتُ.
وصلتُ إلى المسجد مع أبي وإخوتي، فدخلت المسجد، وكنت مركّزًا على كل لباسٍ يرتديه المصلون في المسجد، وخصوصًا الأطفال الصغار، وركّزت نظري أيضًا نحو الآباء، وفي أثناء تكبيرات العيد، الكل محتفلٌ به، إلا أنا!، شعرتُ بإحساسٍ لم أشعر به من قبل، ولم أتحسس هذا الشعور سابقًا، ويمكنني القول: إنني خدعت نفسي، بأن جعلتها تشعر بأنني فقير. وبالفعل نجحت تلك الخطة التي عقدتها على نفسي، وبدأ إحساسي بالنقص يتزايد، خصوصًا مع كلّ نظرةٍ يلقيها المصلون عليَّ، وكأنّ في نظراتهم ربّما مثلما قرأتها أنّني فقيرٌ، وعلى الرغم من أنّني أكبّر معهم كأنّني شخص طبيعي إلا أنني لستُ كذلك، شيءٌ ما ينقصني، فأنا لستُ مثل الباقي، وعلى الرغم من العِلم الذي أمتلكه، والمكانة الاجتماعية الجيدة، لكنّ هذه المقومات لم تكن كافية بأن تغطّي على إحساسي بذلك النقص الذي أعاني منه في المسجد، نقص بأن أكون أقل من الآخرين.
الكبار والصغار فرحين بما آتاهم الله من فضله، فرحون بالعيد الذي لا أعتقد أنه نقصهم به شيء، الملابس جديدة، والأوضاع جيدة تبدو، والكل فرحٌ بالعيد، إلا أنا!، آهٍ على نفسي وتجاربها، لم قمتُ بهذه التجربة؟! كان بالغنى عن أن أعيش هذا الشعور!. هكذا كان عقلي يفكّر، وبصراحة انقادت نفسي له، لكنّي بقيت مصممًا على إكمال هذه التجربة دون أن أعاتب نفسي عليها. آه، وأخيرًا بقي عن صلاةِ العيد بضع دقائق، سأتخلص من هذه الثياب التي تشعرني بالنقص، سأرتدي تلك الثياب الجديدة، لا أريدُ أن أعود لشعوري بالفقر. قف هنا، ماذا؟ الفقر؟!. أهكذا تقول لنفسكَ؟ أين حمدك يا عامر على تلك النِعَم التي منحك الله إيّاها، أين تلك التشكّرات لله على أنه أعطاك مالًا لتشتري لنفسك ما تحتاج للعيد، في حين أنّ هناكَ الملايين من المسلمين الذين يعيشون بنفس الحالة التي جعلت نفسك تعيشُ فيها، لكن على حقيقة بحت، وليس على تمثيلٍ مثلك!.
صادقون في شعورهم بالنقص، بالفعل لا يوجد لديهم ما يكفي من المال لأن يشتروا ملابسًا أو حتى حلويات للعيد احتفالًا به، على حينِ غرّة أنت، الذي تودُّ بأن تشعر بشعورهم، وما أن شعرتَ به وددتَ أن تتخلص منه على الفور، وأن تنتهي من تلك الثياب المهترئة والمغبرّة، وترجع إلى غناكَ الذي وهبه الله لك، حسنًا، هل تفكّرت بأنكَ ربما ستفقد هذه النِعَم وتعيش مثلهم؟! أم لم تحِس بهم؟!.
هذه المرّة الأولى التي تخاطبني نفسي هكذا، كنت معتادًا معها على تقويم السلوكِ بطريقة مهذّبة، لكنّها تخلّت عن هذه المبادئ وبدأت تجرّدني مما أنا عليه بالتذمّر من شعوري بالنقص جرّاء ارتدائي ثيابًا قديمة، وأنّني وددتُ أن أتخلص منها في سراعان الحال.
حمدتُ الله كثيرًا، حمدًا لم أعهده على نفسي من قبل، فبمجرد شعور عشته لساعةٍ ونيّفٍ من الدقائق جعلني أتجرد من نفسي ومن مبادئي وإحساسي، فكيف هؤلاءِ الفقراء الذي تعودوا على هذا الطبع والوضع؟!.
حولنا كثير من النِعم التي لم ندرك أهميتها، لنحمد الله عليها ، نحمده بشدّة ، لأنّ الذي وصلنا إليها هناك عشرات الملايين الذين يريدون أن يصلوا إليه.
تعليقات
إرسال تعليق