كتب ناصر الشريدة
يربط الاردنيون في مثل هذا الوقت من كل عام ، الارتفاع الكبير على درجات حرارة الجو بنضوج فاكهتي الصبر والتين ، واطلقوا امثالهم الشعبية كاشارات دالة على ذلك ، فقالوا " تموز بستوي الكوز" و" بتمّوز بتغلي الميّ بالكوز" و " في تموز بيصير الصبر قد الكوز" ، وآب اللهاب .
يقبل الاردنيون على تناول فاكهتي الصبر والتين بكثرة لاحتوائهما على نسبة عالية من الفيتامينات والكربوهيدرات والأملاح المعدنية والألياف ، والتي تعتبر مقويات لاجسامهم حتى تجعلهم اكثر قدرة على تحمل درجات الحرارة المرتفعة والضغوط الاجتماعية ، وتخفف من اصابتهم بالامراض المفاجئة المميتة .
وفي هذا العام ، وعلى غير ما هو سائد في الماضي ، انتشر وباء كورونا ، وتعطل الناس عن العمل ، وارتفعت تكاليف الحياة المعيشية ، وتقررت الانتخابات النيابية ، بحيث اصبحت نكهة نضوج الصبر والتين في شهري تموز وآب بمذاق مختلف يحمل معاني كثيرة .
يقول الدكتور عبد القادر بني ارشيد ، العلاقة بين نضوج فاكهة الصبر وارتفاع حرارة الجو في شهري تموز وآب ، ترجع الى ان الصبر ينظم درجة حرارة الجسم ويعمل على ترشيقه ، ويحميه من التوتر ويقلل من العطش وقت ذروة الحرارة ، وهذا باعتقادي سر اقبال المواطنين على اكله الى جانب مذاقه الرائع .
وتشير احصائيات زراعية الى ان مساحة الاراضي المزروعة بنبات الصبر والتين تبلغ الفان وخمسمئة دونما منها ثلاثمئة دونم في محافظة اربد نصفها في لواء الكورة ، فيما يبلغ انتاج الدونم الواحد قرابة الطن من الصبر ونصف طن من التين .
وعلى ارتفاع ثمانمئة متر عن سطح البحر في المرتفعات الجلية ذات الاجواء المعتدلة صيفا ، يشعر سكان البلدات الجبلية في شمال الاردن بمثل هذا الوقت من العام بارتفاع كبير على درجة الحرارة كاهالي البوادي والارياف والاغوار ، وهذه الحالة المتكررة كل عام لم تعد خافية على احد ، بل اشارة الى موسم الصبر والتين العاشق للحرارة كي ينضج .
وينسب الباحث خالـــد ابـــو علــي أصل تسمية شهر تَـمُّوز للاله تَـمُّوز إله الخصب عند البابليين ، وابدع سكان المشرق العربي بربطه بالتراث والحكايا الشعبية والأمثال الشهيرة ومنها " بتَـمُّوز بتدفا العجوز" و "تَـمُّوز بصير الصبر قد الكوز" و " في تَـمُّوز اقطف الكوز " و " في تَـمُّوز بتغلي الميّة في الكوز .
ويقول المزارع " محمد بني عيسى " من بلدة تبنة بلواء الكورة ، ان موسم الصبر والتين يعني بالنسبة لي موسم جميل تسمع فيه كل الحان الصباح وعذوبة صوت العصافير ونسمات الهواء العليل ، خاصة وانت تقطف ثمار الصبر والتين مع بزوغ الفجر وارتفاع اشعة الشمس عن مخدعها ، لانه الوقت المناسب والسليم للقيام بذلك ، بعيدا عن تطاير شوك الصبر الصغير وتجمد لبن التين .
ويضيف ، يا الهي ما اجمل ايام الصبر التي توصف بانها تقع بمنتصف فصل الصيف ، الذي يشهد ارتفاعا كبيرا على درجات الحرارة التي تلامس الاربعين درجة مئوية بتموز ، من اجل نضج كوز الصبر الملون بالاخضر المسحوب على الاحمرار الغامق والاصفرار الفاتح وحبات التين الندية بحجم كرة التنس ، والاطيب اكلهما وتذوق طعما لذيذا لهما لا يُنسى .
يقوم باعة متجولون على قارعة الطرق وبالذات في المدن الكبيرة ببيع اكواز الصبر مقشرة بصورة سريعة او بصناديق مغلفة حسب الطلب ، حيث يقول " ابو جمعة" انه كان يرسل يوميا نحو طنين من الصبر الى عمان ويبيعها كاملة ، مشيرا الى ان تجارة الصبر رابحة والاقبال كبير من قبل المواطنين .
والصبر في الموروث الاردني يحمل معنيان الصبر على المحن وتكيف الجسم مع ارتفاع درجة حرارة الجو ، وهذه متلازمة ثنائية يعيشها كل الناس ، بغض النظر عن اماكن سكناهم .
ويفضل المزارعون في الاردن زراعة الصبر كسياج لمزارعهم لحمايتها من الاعتداء ، ويحفظ التربة من الانجراف ويقاوم التصحر ، وهذا جعل زراعته بطريقة انفرادية هنا وهناك ، وليس على شكل مزارع متخصصة الا في الاعوام الاخيرة التي اصبح تجارة رابحة تدر اموالا سخية .
لكن في هذه الايام شاءت الاقدار ان يصاب نبات الصبر وثماره مؤخرا بمرض البق الدقيقي الذي اتلفه ولا زال يواصل القضاء عليه بسرعة ، وهذا بحاجة الى معالجة المرض وايجاد العلاج الشافي قبل فوات الاوان .
واستخدم الناس الصبر في اغانيهم وتراثهم الشعبي لاعتبارات كثيرة ، من باب ان الصبر طيب على كلتا صورتيه المادية والمعنوية ، فهل يحيا الصبر ويعم البلاد والعباد ويشكل منظومة حياتية في انخفاض حرارة كل الاجسام .
تعليقات
إرسال تعليق